تحيا مصر

تحيا مصر

الخميس، 8 يوليو 2010

الظاهرة الشلتاغية ومتحف الشمع


قد يعتري المرء الكثير من الدهشة ، حين يسمع ويقرأ عن هذا الوطن الذي أسس لكثير من الأمبراطوريات ، وكانت أرضه مهداً لحضارات شتى وفي حقب تاريخية عديدة ، أن يصيبه ذلك العمى التاريخي والعقم الحضاري فيعجر عن إستحداث وتهيئة القيادات المجتمعية والسياسية التي تناسب ظرفه وحاجاته .
وربما ، يكون صحيحاً ما يعتقده البعض من أن جزءا مهماً من تاريخ وادي الرافدين ، يشكل أساس المشكلة ، فتاريخ العراق قبل الاسلام كان يؤطر الحاكم بالإطار الالهي المقدس ، فعندهم كان الحاكم من سلالة الآلهة بصورة لا تقبل الجدل ، لذا قد يصعق بعضهم ،وقد ينتقد الآخر ذلك الزحف الجماهيري الغير مؤدلج والغير مسيّس الرافض لسيطرة الرعاع وأشباه المثقفين والإمعات على المشهد السياسي العراقي.
لا يمكن أن يكون تصريح السيد شلتاغ –برفضه ان يكون كبش الفداء لملحمة البصرة- إلا تعبيراً مستحدثاً للمقولة الشهيرة (إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ) باعتبار ان الحكم قميص يُلقى على الحاكم سماوياً وغيبياً مما يؤدي الى تشبثه بالكرسي والمنصب حتى آخر فردة حذاء.
وعليه ، فلو كتب للمخلصين وأصحاب الرأي السديد أن يتولوا شؤون هذه الامة المبتلاة دوماً بأصحاب العقد النفسية وأهمها الشعور بالدونية ، فلا بد أن يسارعوا الى إقرار نظرية متحف الشمع وتفعيلها على ارض الواقع ،بحيث لا يمكن لمسؤول مهما صغرت مسؤولياته أن يتولى زمام ناحية أو قضاء أو محافظة أو أقليم أو رئاسة وزارة ما لم (يُفلتر) ويصنع له تمثالاً طبق الاصل في متحف يسمى (متحف الشمع) ،على أن يتفنن اصحاب الفن الرفيع ورسامي الكاريكاتير بتشويه منظره كان يتم تكبير أذنيه وإطالة أنفه على نحو يبدو مضحكاً حتى للشيخ جلال الدين الصغير الذي لم يُرى مبتسماً منذ حرب البسوس .
ثم توزع تماثيل شمعية مصغرة على طلبة المدارس ورياض الاطفال وحتى للكبار للتسالي واللعب والفكاهة من الحاكم والمسؤول ، أما الفوائد المتوخاة من هذه العملية البسيطة والغير مكلفة مقارنة بما يصرف على قطاع الكهرباء سنوياً فهي:
اولا : إسقاط الهيبة والمغالاة في شخصية الحاكم / المسؤول / السياسي.....الخ.
فلو اعترض شخص ما ، بأن هيبة المسؤول من هيبة الدولة والى آخره من الأدبيات البالية ، وضعنا في فمه التراب بقولنا : فما قولك في هيبة الدولة في بريطانيا والمانيا واستراليا وحتى امريكا ، فالبريطانيون مولعون بالتجسس على الخلوات الغير شرعية لنساء البلاط الملكي دون أن يؤثر ذلك على هيبة بريطانيا العظمى ، والمستشارة الالمانية تم تصويرها وهي تحشر جسمها في المايوه حشراً ، وأما أمريكا فقد تتمثل رموزها الوطنية بالجينز الامريكي أو علبة البيبسي أكثر ما تتمثل بجيرالد فورد أو مارتن لوثر كنك مثلاً ،فلو أحتج آخر بأن ثنائية الرمز /هيبة الدولة تتبع ثقافات الشعوب ، قلنا : وما الضير في تغيير النهج والمبدأ إذا اتضح بطلانه بل وضرره في كل الأحيان وليس أغلبها والشواهد كثيرة .
ثانيا : مع ما تقدم في (اولا) يمكن القول بأن من يقدم على تولي المسؤولية في بلاد الرافدين بعد هذا إرساء قاعدة متاحف الشمع لا يعدو كونه واحد من إثنان : أما مجنون وإما وطني جداً ،والاول يسهل اكتشافه وبالتالي تنحيته والثاني هو عزّ الطلب في العراق اليوم وسيتجاوز صالحة الشخصي لخدمة وطنه وشعبه . لأن الباحث عن المجد الشخصي والجاه سيعزف عنها وهو يرى متحاف الشمع المنتشرة في المحافظات وهي تنال منه وتكسر حاجز الرهبة بينه وبين المواطن فلا يقدم على خطوات غبية كما يروى عن شلتاغ مثلاً في بحثه عن مدينة في البصرة تحمل اسمه المضحك.
وقد تكون هذه الفكرة سابقة تسجل بين الدول ، ولكننا سنجني ثمارها وفي القريب العاجل جداً حين يتفهم المجتمع الدولي بأننا وطن عانى كثيراً من النصابين ودعاة الوطنية ، وقد تقتدي بنا دول أخرى فتنال من هيبة المسؤول وصولاً الى نهوض الوطن ورفعة المواطن.
البصرة التي أذاقت الأنكليز الهزيمة مرتين ، آخرها أجبرت وزير الدفاع البريطاني أن يصرح بأن خروجه المذل من البصرة هو نقطة سوداء في تاريخ بريطانيا العظمى ، هي ذات البصرة التي أفاق على وقع أقدام متظاهريها رجال العراق من شماله الى جنوبه ، هي ذات البصرة التي لم تسقط بأيدي (الغوغاء) كما تخيل صدام ، ولم تعطي دماء شبابها (للشغب) كما تصور المالكي ، ويبدو ان التاريخ بحاجة أن يعيد دورته ،وأحزاب السلطة بحاجة أن تعيد حساباتها.




مشتاق طالب
Mushtaq_t_e@yahoo.com
http://3rdtend.blogspot.com/

هناك تعليق واحد:

العراق التربوي يقول...

مقال جمل ويستحق المشاهدة تحياتي لكاتب المقال

بحث هذه المدونة الإلكترونية