تحيا مصر

تحيا مصر

الأحد، 28 أغسطس 2011

خلّـي يـوَلــَّنْ





مع كل هذه الاعداد المهولة من المثقفين والمحللين والفنانين وشيوخ العشائر ومجالس الاسناد والراقصين والمهربين واصحاب المعالي والنيافة والفخامة ،ورواد الاجتماع والفن والتاريخ ، والمهتمين بالاقتصاد واصحاب النفوذ الاجتماعي والكاريزما السياسية ، ومع كل الادعاءات بالأصالة والعراقة والفطنة المجتمعية ،ومع كل هذا الزخم الشعبي من الآراء والنقاشات والصالونات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية والمدارس الخاصة والجامعات والمقاهي والكراجات والـ"كيات" ، ومع كل مفارقات الحياة والفلل الفخمة والحواسم والبطاقات الذكية والحنين الى "الخردة" وارتفاع الاسعار ودرجات الحرارة والعنف السياسي ومعدلات الطلاق....
مع كل هذه الارهاصات ، تمكن انصاف السياسيين من عقد اتفاقية "مشينة" مع المحتل الامريكي ،تقضي بانسحاب الاخير في عام 2011 ، وقد سمي يوم التوقيع على الوثيقة بيوم السيادة ، وكانت هناك احتفالات شبه رسمية ، وكانت من اقوى الحجج التي ساقها المؤيدون في ذلك الحين ،هو امكانية خروج العراق من البند السابع .
الآن ، وبعد ان اقترب موعد الانسحاب الذي نصت عليه تلك الاتفاقية ، أكتشفت ان لدينا رئيسا لاركان الجيش ، وان لدينا عددا يعتد به من صناع القرار العسكري والمحللين الستراتيجيين ، واكتشفنا ايضا ان الثماني العجاف لم تكن تكفي الامريكان لتدريب وحدات مضحكة من عديمي الفائدة والمرضى النفسيين ليشكلوا جيشاً لدولة بحجم العراق !
ومن ثم اعلن انصاف السياسيين على غرور وتبجح وليس على استحياء ان انسحاب الامريكان في هذا الوقت "الحساس" هو طامة كبرى ستلحق بالبلاد والعباد ، ولم يخبرونا عن ماهية الاضرار المحتملة في حالة رحيل قوة عسكرية فجة ولا تحمل اخلاق العسكر ولا الانسان مثل امريكا !
هل –لا قدر الله – سنصحو على مفخخات وتفجيرات تأكل الاخضر واليابس ؟
ام هل سيفاجأ العراقي المدلل والمنعّم بانقطاعات غير مسبوقة للتيار الكهربائي وبدون اخطار مسبق من الحكومة المركزية والحكومات المحلية ؟
ام ستزداد معدلات البطالة برحيل الجندي الاخير ومعه تتقلص فرص عمل العراقيين بالمشاريع العملاقة التي اقامها الامريكان في البلاد ؟
السيد الرئيس ، ونوابه
دولة الرئيس ، ونوابه
السيد رئيس البرلمان ونوابه ونائباته والالوف المؤلفة من الحمايات والمقاولين والمنتفعين والشعراء والطبالين....
ارجوكم ، ارجوكم ، كونوا صريحين لمرة واحدة مع الشعب ،
و...." خلّي يـوَلــَّنْ "

*******
في الوقت الذي يعرف فيه القاصي والداني حجم الرشى والاموال التي دفعتها الجارة الكويت للمسؤولين العراقيين بدءا من اعلى هرم السلطة وانتهاء بصغار موظفي الوزارات المعنية في العراق ، لأجل ابقاء ملف ميناء الفاو الكبير حبراً على ورق ، والتعجيل ببناء ميناء مبارك ، تأتي ردة فعل رئيس الوزراء ، باهتة ، ومتأخرة ، وبلا لون ولا طعم حين "يهدد" باللجوء الى الأمم المتحدة لحل النزاع مع الكويت، في حالة –وفقط في حالة- اضرار الميناء بمصالح العراق !
دولة الرئيس : رجاءا ...... خلّي يـوَلــَّنْ.
***
التعصب للمذهب والطائفة والطريقة والنهج والسلوك الاجتماعي واللون السياسي ، قضايا متعارف عليها وليست بجديدة ، ولبعض منها ما يبررها .
لكن حين تنفق ميزانية تضاهي السبعة ملايين من الدولارات وتعرض الوضع المتأزم في اكثر البلدان العربية والاسلامية الى مزيد من التشظي والفرقة ، من اجل انتاج مسلسل تاريخي يتناول اهم حقبة من التاريخ الاسلامي بلا اي مسؤولية او امانة او موضوعية ، كي تقول في نهاية الرسالة : ان جميع من عاصر النبي الاكرم (ص) هو ملائكة وطيبون ، وان مذهباً له من القواعد الفقهية والاصول التاريخية والحجج البالغة ما لا تملكه بقية المذاهب، هو مجرد طريقة مختلقة ،وسبيل موضوع ، قام به شلة من البلطجية تسببوا بـ:
مقتل عثمان بن عفان
فتنة الجمل
معركة صفين
وغيرها كثير ، عندما تسوّق الخلافات التاريخية بهذا المنحى الساذج واللاعقلائي ، فإن المتلقي للعمل سينقسمون تبعا لانتماءاتهم الى اقسام ثلاثة:
الغير مسلم : سيستلقي من الضحك على عقلية اغلب الصحابة "كما يصورها المسلسل طبعا"
المسلم البسيط : سيرى في نفسه انه انزه واكثر ورعاً من اغلب شخصيات المسلسل التاريخية ، وبالتالي ربما سيستسهل الخطأ ويتقبل الخطيئة بروحية اكثر اقبالاً.
المسلم الواعي : سيعرف ، بالتأكيد أن الاموال التي انتجت "روتانا" وادخلت الخلاعة الفكرية والجسدية الى بيوت المجتمع العربي ، لا يمكن أن تأتي بعمل فني على خلاف ما يعرض الآن في هذا الشهر الفضيل،فالمسلسل الذي وزع على اكثر من عشرة فضائيات تلافياً لمنعه في حالة انفراد فضائية بعينها على حقوق العرض –طبعا هناك خسارة مالية في هذا- لا يختلف عن باقي البرامج الخليعة والماجنة التي تُهيء وتُصمم ويتم التحضير لها طوال السنة خصيصاً لشهر الطاعة ، بل اكثر من ذلك ، فإنك تغزو قلب وفكر المشاهد برقصات واغاني من هنا وهناك ولكنك قد تفسد عليه عقيدته بهكذا عمل بعيد حتى عن ابسط مقومات الفن.
الرسالة التي لم تعد خافية على اللبيب ، والتي يوحي بها العمل ، هي باختصار "حرمة الخروج على الحاكم" وبالتالي فهي استباق لما يمكن ان يفكر به الشباب العربي من ادامة الثورات او القيام بثورات "جديدة" قد تطيح بعروش من آمنوا من فزع الثورة وضجيجها.
مشهدان لفتا انتباهي في ما عرض من حلقات لحد الآن:
الاول : في التعريض بالخارجين على الخليفة الثالث ، بأنهم " مندسون " واصحاب فتنة وغير ذلك ....اراهن لو ان المسلسل باللهجة المصرية لكان الحوار كالتالي "دول شوية عيال وبلطجية وحرامية"
اما لو كان المسلسل باللهجة العراقية ، فاتوقع ان يقال " انهم ارهابيون وبعثيون وخارجون عن القانون" !
المشهد الثاني : لصحابي جليل ، جاء بالرجال والسلاح وحرض المسلمين على الخروج على الخليفة الشرعي "الذي كان هو بعينه اول المبايعين له " ....وحين تتعالى صيحات القتال وتصطك السيوف وتتناثر الاشلاء وتصطبغ الارض بلون الدم ، نراه يلوذ بزاوية بعيداً عن المعركة ويناجي ربه ويقول : اللهم جنب المسلمين الفتن !!!
كم تمنيت ان اقف بجانبه حين تصوير المشهد لأهمس في اذنه : حجي ، خلّي يـوَلــَّنْ........


ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية