لشرق الأوسط ، كان سنيـاً بحتـاً وينبغي أن يبقى كذلك ،هذا باختصار مجمل لآراء الملوك والأمراء وأصحاب السيادة والفخامة الحكام العرب ، وهو فوق ما يعبر عنه من طائفية يلصقونها عمداً بمذهب التشيع ، فغنه ينم عن جهل بحركة التاريخ والتغيرات المجتمعية التي لا بد منها ، وفي النهاية فإن الموضوع (سياسي) بحت يتعلق بأصحاب الكراسي ومآربهم ولا علاقة له بنشر (التوحيد) لا من قريب ولا من بعيد....
وعليه فالمشكلة بنظر هؤلاء تتمثل بتساوي الفرد الشيعي في الشرق الاوسط بغيره ،وعليه لا بد من تجييش الإعلام وفضائياته والساسة والاعيبهم والمفخخين وحورياتهم لبلوغ المرام ، فكون الشرق الجديد اسرائلياً لا يعني شيء بالنسبة لملوك الطوائف ،أما كون الشيعي يتساوى مع غيره ولا يستخدم وقوداً للصراعات فهذه الطامة الكبرى !
كل ما في الأمر أن لكل طغمة حاكمة مطية تركبها لبلوغ هدفها ، وكما اقترح البعض على الخليفة الثالث أن يشغل الامة بجهاد خارجي للتورية على الظلم الاجتماعي في حينها فإن القوم أبناء القوم ، وما تجربة أفغانستان قديماً والعراق حديثاً عن ذلك ببعيـد .
ورجال الدين في أغلب دول المنطقة مسيسون اكيداً ويتبعون (وزارة الاوقاف) بصورة أو بأخرى ، ولذا ، لا يتفوه الخطيب بكلمة لأجل هداية الآخرين جرياً على قاعدة (لأن يهدي الله بك رجلاً ...) حتى لو كان (الآخرين) من عبدة البقر ، والشجر والحجر، إنما تذهب الجهود للتنكيل بطائفة عظيمة من المسلمين يشهدون بالتوحيد والنبوة والمعاد ...
واذا كانت الأساليب القديمة قد إنطلت على البعض نتيجة قلة الإطلاع والتعتيم والتكتم ، فإن هذه الخطابات لا قيمة لها اليوم في عصر الانترنيت وآخر صيحات الـMicrosoft وتعدد منافذ الاطلاع والتنقيح ، فنجد أن أغلب الخطابات السلفية تبدأ بالشتم والسب واللعن والتسقيط وقلب الحقائق ....تلك الأساليب التي ما عادت تقنع المقربين فضلاص عن المخالفين .
قضية السيدة عائشة زوج النبي الاكرم صلى الله عليه وآله ، دائماً ما يتخذها أرباب الوهابية مدخلاً لجر أبناء السنة (الذين هم الأعم الأغلب من المسلمين) نحو استعداء الشيعة الإمامية .
والقضية باختصار أن الشيعة يعتقدون بطهارة عائشة كونها عرض النبي الأمين (ص) وأعراض الانبياء محفوظة ومطهرة بالضرورة . أما ما يفتريه البعض علينا من حديث الأفك وغيره فلا اساس له في المعتقد الشيعي لا قديماً ولا حديثاً.
تبقى مسألة حساسة هنا ، وهي مسألة خروجها على إمام زمانها علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وهذا الخروج خاطئ اكيداً بكل المقاييس وهو ما عبرت عنه السيدة عائشة نفسها فيما بعد ....
والعقيدة الإمامية تجل وتحترم وتقدس أصحاب النبي الاكرم من الثابتين على نهجه بطبيعة الحال ،فليس كل من رآى النبي وعاش في زمانه يعتبر صحابياً وإلا فالكثير من المشركين واليهود قد عاصروا وسمعوا من النبي صلى الله عليه وآله.
والأصحاب في الفكر الشيعي –كما هو متعارف عقلاً ونقلاً- هم طبقات ومراتب ،حالهم حال غيرهم من البشر في درجة الإيمان والخضوع لله والقرب من سنة نبيه (ص) ،والحق أن الفكر السلفي عجز عن ترجمة وتفسير جملة من الآيات والأحاديث الصحيحة التي تخبر بوجود المنافقين والمتربصين في حياة النبي الخاتم (ص) ، والمغيرين والمرتدين بعد رحيل النبي (ص) ، منها قوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) .
ومن الأحاديث المشهورة في الصحاح ، ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلون عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد بن حنبل في المسند وغيرهما عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم ، فأقول : يا رب ، أصحابي أصحابي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ...وغيرها كثير.
أمام هذه التركة من القصص القرآنية وأحاديث النبي (ص) ، والروايات التاريخية التي تؤكد بأن البعض ممن يسمون بالصحابة قد رفع السيف بوجه البعض الآخر ،لا بد أن يقف المسلم ليتأمل تاريخ دينه وصحة اتباعه لسنة نبيه وممن يأخذ أحكامه ؟ وعلى من يعول في صحة عقائده ؟
وعلى هذا فشلت نظرية (العشرة المبشرة) فشلاً ذريعاً ، بعد أن ثبت أن السيف كان الفاصل بين كثير منهم !
وتبقى المسألة الأهم التي تميز الشيعة عن باقي المذاهب ، هي مسألة الإمامة ،فكما قلنا في الجزء السابق لم تصمد نظرية أخرى غير الوصيـة النبوية لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه بأمر إلهي واضح وجلي ومثبت قرآنياً (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) ، فلا يدعي أحد أن أبا بكر قد جاء بوصية ، ولا الإجماع (المزعوم) قد حدث فعلاً ..وفي ذلك يروى عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قوله في اختصار تملؤه الغرابة والتعجب والاستنكار لما جرى في (السقيفة):
ان كنت بالشورى ملكت امورهم فكيف بهذا والمشيرون غيب
وان كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك اولى بالنبي وأقرب
.ولا أبو بكر نفسه قد اتبع ذات الطريق في الانتخاب والتنصيب إذ أوصى من بعده لعمر بن الخطاب ،والأخير كما قلنا جعلها في شورى من ستة أنفار على أن يعاقبوا(بالاعدام) إن أنتهت الايام الثلاثة ولم ينتخبوا أحدهم ،فهو بذلك قد ابتدع طريقة ثالثة في تنصيب الحاكم لدولة من المفترض أن يحكمها خاتم الاديان السماوية !
ومع ذلك ، وبالعودة الى السياسة فلا وجود لـ(هلال شيعي) يهدد وجود بقية الطوائف والملل والنحل ،ولا لإيران أن تغير عقائد المسلمين كما تهوى ، ولو كان الموضوع مادياً لابتغى المستبصرون بمذهب آل محمد طريقاً آخر سيما وكنائس التبشير منتشرة في كل مكان وفي كل فضاء، وبدل أن يحذر الكنك (عبد الله-1) من الهلال الشيعي كان ينبغي عليه أن يحذر من (النجمة) الاسرائيلية التي تتسع يوماً بعد آخر كما عبر المفكر محمد حسنين هيكل .
في الجزء القادم نحاول البحث حول أوجه التوحد لمن أراد تأسيس قاعدة مشتركة بين مذاهب الاسلام يمكن الإجماع عليها وصولاً لنبذ الفرقة والتشرذم.
كونــوا بخيـــر .
مشتـاق طالـب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق