ربما يكون احمدي نجاد هو الرئيس الأكثر دهاءاً في تاريخ الجمهورية الاسلامية ، هذا الشخص الذي لا يفصح ظاهره عن كل امكانياته المكنونة أجرى تغييراً جذرياً في السياسة الخارجية الايرانية ، ففي عهده تم استبدال الدعم الايراني للتنظيمات والكيانات السياسية "الشيعية" الى دعم المنظومات "الاسلامية" عامة وأينما كانت ، بلحاظ الهدف الاسلامي الأسمى ،فأينما تكون هناك تكتلات ترفع الشعار الاسلامي بوجه الواقع السياسي سواء في بلدانها أو في المجتمع الدولي كدواء ناجع لمشاكل السياسة ، فستجد ايران من وراءها ومن حولها بدعم سياسي أو مالي أو اعلامي أو قد يجتمع كل ذلك بصورة موقف علني ، أوضح مثال على ذلك العلاقة الآخذة بالتطور والنمو بين ايران وحركة حماس ،كذلك فإن العلاقة التاريخية بين ايران وحركة الاخوان المسلمين لا تخفى على احد.
ففي هذا الوقت بالذات ، فإن ايران لا تهتم كثيرا بالمسمى "الشيعي" المنظماتي بقدر اهتمامها بدعم ما بات يسمى بـ"محور الممانعة" أو المقاومة في الشرق ،وهي مجمل الحركات والحكومات والاحزاب والتنظيمات الرافضة للهيمنة الامريكية والصهيونية للمنطقة ، فيما مثلت السعودية ومصر والاردن طليعة الدول المنضوية تحت لواء "دول الاعتدال".
كان على السعوديين أن يكملوا مشوارهم الذي بدؤوه منذ أكثر من قرن من الزمان باعتبارها الوريث الشرعي للامبراطورية العثمانية ،وأدبيات دولة الخلافة الاسلامية ،لكن الذي حدث وما زال يحدث ان مراكز القرار في "المملكة" لم تعي الدرس جيداً ، بسبب قصور النظر أو عدم التناغم جيداً بين المصالح الوطنية والاملاءات الامريكية ،فلجأت بغباء مفرط الى لبوس الطائفية البغيض، مما أدى الى اتساع الهوة بينها وبين الشارع الاسلامي والعربي.
فبينما مثلت ايران –حتى بالنسبة للاحزاب والمنظمات ذات اللبوس القومي- قلعة المد الاسلامي الجديد غاية ما في الامر ان الخطاب القومي الدارج قد استبدل تدريجياً بالخطاب "الاقليمي" ان صح التعبير، فيما تجذرت "الاسلامية" كشعار وتطبيق في المرحلة الجديدة رافضة للهيمنة الامريكية والغربية التي تتدخل في شؤون الدول الى ابعد الحدود.
وان صحت الأخبار التي تؤكد تناقل عملة "الدولار" المزيفة ايرانياً في العديد من دول اوربا وافريقيا بشكل احترافي يصعب معه الكشف عنها ،فإن الولايات المتحدة تكون بين نارين ،فالإعلان عن ذلك "الدولار" المزيف سيؤدي الى هبوطه بصورة مرعبة وسريعة ،وبالتالي سقوط الهيبة الاقتصادية للدولة العظمى رقم واحد في العالم ، فآثرت امريكا السكوت عن ذلك على مضض فيما راحت تشدد على ايران اقتصاديا وسياسياً وبمختلف الحجج دون ان يجرؤ ساسة البيت الأبيض بالتصريح علناً من ان ايران تحاول تدمير الاقتصاد الامريكي ،وهذا جزء مهم من الصراع الايراني –الامريكي الحالي.
في أحدى مقبلات رئيس الوزراء الابريطاني كولدن براون أفصح عن أن النظام العالمي الجديد لم يعد ذو قطب واحد ، بل عالم "متعدد الاقطاب" تمثل ايران أحد أهم اقطابه.
امام ذلك الصعود المطرد للصاروخ الايراني العابر للاثنية والقومية والمذهب ،تجد جمود السياسة السعودية على النمط المتحجر القديم المبتنى على اثارة الطائفية والتخويف من انتشار المد الشيعي في مصر وشمال افريقيا ودول الخليج .
في صراعها على وراثة العالم الاسلامي فإن ايران تقربت واحتوت اغلب الحركات الاسلامية حتى البعيدة عنها أو في موقف متقاطع معها عقائدياً "حماس نموذجاً" ،أما السعودية فمن أجل اثبات الوجود فإنها استعدت كل الاطراف الشيعية في الشرق حتى المناوئة لايران !
الى المدى المنظور اثبتت نظرية "التكفير" والتكفير المقابل عدم جدواها ، فمتى يفهم القائمون على رعايتها ومدها مالياً واعلامياً ان السلفية ولدت كفكرة وانتهت كنظرية فاشلة تبرء منها اقرب المقربين ؟
في العراق تحديداً ،يتناسى الذين يلمزون الاحزاب الشيعية بالتناغم مع ايران ،ان السيد احمد السامرائي رئيس مجلس النواب هو أحد أعضاء التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ،قد لا يعرف البعض ان الدعم الأكبر لهذا التنظيم يأتي من الجارة ايـران !
Mushtaq_t_e@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق