بما أننا على أعتاب مفترق طرق رهيب ، أما أن تكون نهضتنا الكبرى التي نباهي بها الأقوام والشعوب ، وأما أن نختم بخاتم الخنوع ،حيث لا يمكن تخيل بصيص أمل ضئيل إن مرت تلك الفرصة الوطنية التي يتحقق فيها ذلك "الإجماع" الوطني الذي يتعالى يوماً بعد يوم ليسمو فوق ترهات الطائفية وتوافه الحاجات الفردية ،فبعد تلك المرحلة سنثبت ،إما اننا الورثة الشرعيون لتاريخ قديم لم يلتمس منه الجيل الجديد سوى ما يتبقى في الذاكرة من اعتزاز بثورة العشرين واساطير الإباء التي سطرها الأجداد حين كان الثائر ، لا يتنازل عن مبدئه ،تحت ذريعة البارغماتية، وحين كان السياسي لديه بقايا من شعور باحترام للذات ،فيفضل ان يموت منتحراً على ان يعيش خائناً.
لأجل ذلك ، وجدت ان من المفيد أن أشارك القراء ببعض ما اتداوله من آراء وهموم مع المقربين ،عسى ان يكون في ذلك الخير والصلاح,فأقول: أن الحديث عن المظاهرات/الاحتجاج/الثورة القادمة يمكن أن يكون في مستويين :
المستوى الأول : فيما يتعلق بالهدف والغاية والباعث لهذه الاحتجاجات او الثورات ،فيمكن الحديث عن ذلك في نقطتين رئيسيتين:
النقطة الاولى : يمكن وصف حركات الإحتجاج –نسبة الى الباعث او المحرك- الى عدة أقسام ،فمنها ما يكون شخصي وفردي يتعلق بالمصلحة الشخصية ، ومنها ما يتعلق بمجموعة متناظرة من الافراد يجمعون على غاية وهدف واحد كالهوية او المناطقية أوالعرق أو الدين وغيرها، ومنها ما يتوسع ليشمل المقاطعة/القرية/المحافظة…الخ ، إلا أن كل التقسيمات المذكورة لا ترقى الى رتبة الإحتجاج العام أو الإنتفاضة أو الثورة بمعناها الاشمل ،بالتالي يمكن اعتبار نوعين من الإحتجاجات ، جزئية للمطالبة باصلاح وتعديل وتحديث ما ، وكلية أو عامة تستهدف نظماً كاملة ، بتشريعاتها ،ومجالسها وقوانينها ، وربما تتطور الى محاولة تغيير أسلوب الحياة العام-وهذا قد يحدث كنتيجة عرضية احيانا وبدون تخطيط مسبق- وهذه فقط تستحق ان تسمى "ثورة".
فالفرد الذي يخرج للمطالبة بزيادة مرتب ، أو تخصيص قطعة ارض ، أو الاسراع في معاملة حكومية ، الى غير ذلك ، ان ذلك الفرد يستحق منا كل الاحترام والتقدير،وإني لأظن ان في كل خطوة يخطيها أجراً عظيماً وثواباً مكفولاً –بشرط اخلاص النية طبعا- إلا ان الملاحظ ان مثل تلك الاحتجاجات سوف لن تخدم المواطن –اي مواطن- فضلاً عن صاحب الشأن الذي خرج بمظلوميته ، دليلنا على ذلك أن تلك الحركات –ذات النطاق الضيق- لم تخمد منذ اكثر من سبع سنوات دون أن تجد لها أذناً صاغية لدى المسؤول او رجل الدولة.وسوف نأتي لنبرهن على ان الخارج على الجور والمطالب بالحقوق بمعناها الاشمل والعام فيما يخص الوطن ككل والشعب بمجمل افراده سوف يلاقي الحالات التالية مقارنة بمثيله الذي يطالب بالحقوق الشخصية أو "الضيقة" :
1- ان الأول ، سيلاقي ترحيباً أوسع من قبل بقية افراد المجتمع،قبالة الفرد او الجماعة المتظاهرة بحقوق خاصة او ضيقة ،فالذي يتظاهر لعدم حصوله على برميل نفط مثلاً ، سوف لن يلاقي ترحيبا واسناداً ومشاركة من قبل فرد آخر خدمته الظروف وحصل على "مكرمته" من النفط ،في حين ان الذي يجهر بتعديل الدستور او القوانين أو محاربة الروتين الحكومي ، سيجد له اتباعاً أكثر ،وهكذا تتدرج نسبة احتمال المشاركة بكافة انواعها (بالتأييد القلبي أو اللساني أو المشاركة العملية) كلما كان المطلب هماً وطنياً عاماً يلقي بظلاله على اغلب طبقات المجتمع ان لم نقل جميعهم.
2- أن الأول ،سيجد له مساحة أوسع في الاستماع والمناقشة وربما الاستجابة الفورية للمطالب ،بلحاظ الاعداد الهائلة من ناحية والمطالب الوطنية أو العامة من ناحية اخرى ، ومعه لا يمكن للمسؤول الاكبر ان يتنصل عن الاستجابة بحجة ان ذلك الامر (ليس من اختصاصي) وليس في دائرة المسؤوليات المناطة الى غير ذلك من التبريرات. المتظاهر لأجل حقوق فردية ومطالب ضيقة سيلاقي عكس ذلك بالتمام.
3- وهي نقطة غاية في الاهمية ،وهي ان المحتج للحقوق العامة والوطنية الكبرى ، يكون قد ضمن الحماية الشخصية له ولمن معه الى درجة كبيرة ،باعتبار الاعداد الغفيرة المجتمعة ،والمطالب ذات الصبغة الوطنية والتي تجتذب اعداد اكثر من المؤيدين كما اسلفت ، مما يفرض هيبة على السلطان وإن فكر باستخدام القمع والبطش ، زد على ذلك انجذاب وسائل الاعلام لتلك الحشود مما يوفر تغطية اعلامية معتد بها ،وردع للنفس الامارة بالسوء لدى الحاكم إن لم يكن خوفاً من الله ، فحياءاً من عدسات الاعلام الموجهة والمترصدة لكل صغيرة وكبيرة طمعا في صيد ثمين !
المُطالب بحقوقه الفردية او القبلية أو المناطقية ، سيكون هدفاً للبطش والتنكيل ، لأنه سيكون مكشوف الغطاء من وسائل الحماية الثلاث آنفة الذكر.
الخلاصة الاولى : لا تفكر بأن تصبح سطراً يمر في "سبتايتل" الفضائيات ،أنت تستحق أن تكون "عاجل" الفضائيات" وشغلها الشاغل صباحاً ومساءا .
لا تناشد ، لا تتمنى ، أنت تستحق أن تطالب وتملي على الأمير ما يفعل ،ألم يأتك حديث تونس ومصر ؟
أما إخواننا في الوطن والإنسانية ممن ينددون بغلق حانات الخمور ، فأقول لهم : كلنا يعلم انكم تستطيعون الوصول لمبتغاكم في كل الأزمنة والعصور ،بما في ذلك عصر الدولة الاسلامية ، فينبغي أن ترقى نفوسكم الى اعلى قليلاً ، فأنتم في النهاية لن تهان كرامتكم ولن تموتوا ظمأى ، ولتكن ارضكم مسرحاً والحرية كأسكاً ، أثملوا وأثملونا حباً بالوطن.
النقطة الثانية : فيما يتعلق بالشعارات المطروحة الآن ،باعتبارها الشعارات التي ستُرفع مستقبلاً ، ففيها عدة امور ينبغي مراعاتها:
1- ينبغي الإبتعاد عن شخصنة الأمور ، فنحن مع أو ضد المسؤول الفلاني لا حباً ولا اعتراضاً على شكله ولون عينيه ،ولا عن طريقة حديثه ولا قريته ومسقط رأسه ،ولا ملبسه الى غير ذلك ، إننا كمعارضون واعون ، ينبغي أن تُقاس درجة انسجامنا مع الحاكم تبعاً لخدماته التي يقدمها للوطن ،دوناً عن مذهبه وعرقه ولونه ،من هنا ننتقد بشدة تلك الصور المفبركة التي تظهر الحاكم او المسؤول في ملابسه الداخلية أو في أوضاع مضحكة،لأنها لن تخدم القضية الاساسية التي نجتمع عليها.
2- إني وجدت ان البعض ، قد استغل المناسبة المرتقبة للتعبير عن حنينه لأنظمة سابقة "أ قادمة" أو للتعبير عن إنزعاجه من ايران مثلاً ، متناسياً أن الشعب العراقي عاطفي وحساس ، وسيطالبك البعض بانتقاد السعودية أو سوريا او تركيا أو غيرها ليحدث "توازناً ما" ،بالتالي لا نريد أن تتحول المناسبة الى ميدان صراع اقليمي أو سياسي بلسان حال المتظاهرين ،فذلك يضر بوحدة الهدف ،فإن كان البعض يدين ايران بدليل ، فالبعض الآخر لديه عشرات الأدلة لإدانة النظام السياسي في السعودية ، ونفس الشيء ينطبق على بقية دول المنطقة المجاورة التي لم تسلم جميعها من الاتهام بالتدخل في الشأن العراقي.
الخلاصة الثانية : حين ينبثق نظاماً من قلب المجتمع وحاجاته وتطلعاته ،لن نسمع بتدخلات اقليمية لا من ايران ولا من الهندوراس.
المستوى الثاني :فيما يخص القادة ،أي قادة الثورة والناشطين، سواءاً منهم الميدانيون أو "الالكترونيون" إن صح التعبير ، وإني لأرى كثير منهم لديه تفاني ونكران ذات عجيب وهو يعمل "للكل" ولا يرى أهمية له إلا في تحقيق المطلب الاكبر ، وهو رفع الظلم وتحقيق الانصاف. على ان هناك القليل ممن يُستفز لأتفه الاشياء ويسارع لاعلان نفسه مسؤولاً وقائداً ومنظماً ،حتى لا يسبقه سواه ، والحق ان مثل تلك التصرفات تسرع في وئد الانتفاضات وحركات التحرر في مهدها ،فمن جملة العِبَر المستخلقة من القاهرو وتونس ، هي "زئبقية" القيادة وذوبانها في حشود الجماهير المنتفضة ، مما حرم السفاحَين هناك من فرصة الانقضاض على زعماء ومنظمي الثورتين ، فالطغاة يمكن لهم أن يقمعوا عشرة يشكون ان بينهم قائداً ميدانياً ، يقمعوا عشرين ، مئة ، الف ربما ، لكنهم لن يجاوفوا بحرق الملايين .
الجزء الأخير ، أوجهه للحكومة ،مع اني "لا احب الحكومة" ،إلا ان النصيحة قد تكون واجبة لهم على أي حال.
هناك فرصة ، ولحظة تاريخية يمكن أن تثبتوا فيها مدى التغيير في الحياة السياسية في العراق منذ سبع سنين ، ايها الزعيم ، لو كنت مكانك ،لسمحت للمتظاهرين المسالمين أن يعبروا عن آرائهم ،ومطالبهم ، بل وغضبهم ، وسأكون في كل الاحوال حملاً وديعاً وأباً رؤوفا ، وسأدرج اسمي في سجل الساسة المحنكين ، لو نزلت الى الشارع الصاخب محاولاً استرضاء الجماهير ، او لمصارحتهم ومطارحتهم حقيقة ان الوضع –مع وجود اليد الأمريكية- شبيه بأحد اجزاء سلسلة الرعب الشهيرة SAW لأنه "مرتب بطريقة معقدة" تجعل الخروج من دوامة ما هو دخول في دوامة اكبر وان لا حيلة لي في ذلك.ايضاً سأجعل خراطيم المياه التي ترشق المتظاهرين شغالة صباحاً ومساءاً نكاية بالمخلوع "المبارك" الذي استعاض عنها بالرصاص الحيّ ،وسأدعو جميع وسائل الاعلام ، وبالذات التي (تمثل اجندة خارجية تريد بنا الرجوع الى المربع الاول) ،واي شخص من اتباعي أو حزبي يجرح المتظاهرين ولو بكلمة ،قسماً لأرجمنّه بينهم ،ولأضحكن عليه شفاه المحرومين.....ألست والياً عليهم لرفع الحيف والجور ؟؟؟
مشتاق طالب
Mushtaq_t_e@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق